ما حدث في تونس، انتفاضة اجتماعية تلاها انقلاب مبرمج وموجّه
اخترت كرامة المنفى على مرارة العودة
المازري الحدّاد Mezri Haddad
سفير تونس السّابق في اليونسكو لـ«التونسية»: الحكومة الحالية فاقدة لكل شرعية ديمقراطية
..هكذا مهّد «قائد السبسي» الطريق لـ«النهضة»
وهكذا ساهم في غزو ليبيا و... "مصطفى بن جعفر" سقط في فخّ
إغراء السلطة
*حاوره: محمد بوغلاّب
التونسية (فرنسا ـ خاص)
الدور الذي لعبه الحاكمون في تونس في تدمير ليبيا هو نفس الدور الذي قامت
به قطر في تدمير العراق من خلال قواعدها الأمريكية في الدوحة. بعد غسل
الدماغ الإعلامي وسموم الجزيرة، استفاق الشعب التونسي فبدأ التونسيون
يكتشفون الحقائق الآن
ولد السيد المازري الحداد في مدينة الكرم (الضاحية الشمالية للعاصمة تونس.
غادر تونس نحو الجزائر ليواصل دراسته بعد طرده من جميع المعاهد بسبب نشاطه
السياسي المعارض في أحداث الخميس الأسود(جانفي 1978) .
بدأ الكتابة في الصحافة سنة 1979 في جريدة «لابراس» ونشرت كبريات الصحف
الفرنسية والبلجيكية والسويسرية مقالاته.
يعدّ المازري الحداد من أول الذين أعلنوا معارضة بن علي (سنة 1988) وشارك في
إصدار جريدة (الجرأة) رفقة سليم بقة ثم أصدر(صوت الجرأة) واستمر في معارضة
نظام بن علي إلى نهاية التسعينات تاريخ انفصاله عن المعارضة ليكرس جهده
لاستكمال دراسته العليا التي توجها بالحصول على الدكتوراه في الفلسفة
الأخلاقية والسياسية من جامعة السوربون.
في أفريل 2000 وأياما قليلة قبل وفاة المجاهد الأكبر عاد إلى تونس والتقى
بن علي الذي عيّنه بعد تسع سنوات سفيرا لتونس لدى اليونسكو.
حين انطلقت أحداث 17 ديسمبر2010 لم يتردد الحدّاد في الدفاع عن بن علي
ونظامه ولكنه سرعان ما أعلن استقالته صباح يوم 14 جانفي احتجاجا على القمع
الدموي للمتظاهرين.
أصدر نهاية العام المنقضي كتابا بعنوان(الوجه الخفي للثورة التونسية) وهو
يستعد لإصدار كتاب ثان بعنوان(أيها التونسيون ماذا فعلتم ببلدكم؟)...
«التونسية» جالست الرجل وحاورته:
احتفل الشعب التونسي بمرور سنة على ثورته المجيدة ومع ذلك لم تعد إلى
بلادك. لماذا فضّلت المنفى على حضن الوطن؟
ـ قبل الإجابة أنا أرفض مصطلح «الثورة» المتداول منذ جانفي 2011 والذي
دخل قاموس السياسة والصحافة. أرفض المشاركة في هذا النفاق السياسي وفي هذه
الأسطورة التاريخية. رفضتها في جانفي 2011. ولن أقوم اليوم بعد مرور سنة
على هذه الفتنة التي أسقطت كل الأقنعة، بالاعتراف بها كثورة. ما حدث بين 17
ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011، هي انتفاضة اجتماعية أقل خطورة ودموية مما
كانت عليه أحداث جانفي 1978 و1984. ما تسمونه أنتم «ثورة» هو غضب اجتماعي
مشروع تلاه انقلاب عسكري مبرمج وموجه من قبل جهاز المخابرات الأمريكية، تلك
هي الحقيقة حتى وإن جرحت مشاعر الشعب العظيم وأزعجت الانتهازيين. أما
بالنسبة إلى عودتي إلى تونس، فقد فكرت طويلا واخترت كرامة المنفى على
مرارة العودة.
المعركة لم تعد معركة الديمقراطية ضد الدكتاتورية ولكن معركة الوطنيين ضد
المتعاونين، بل إن الأمر لأخطر من ذلك، وأنا أعتبر أن الخط الأحمر الآن هو
بين أولئك الذين يدافعون عن السيادة التونسية وأولئك الذين باعوا البلاد
واستقلالها، حاربت عشقا للحرية، عارضت الأصولية المتعصبة تمسكا بالحداثة،
إيمانا بسماحة الرسالة المحمدية الحنيفة وسمّوها، وليس الآن وقد نيفت
الخمسين أراني سأتخلى عن مبادئي بعد شرب الجميع من نهر الجنون. كنت من
أوائل المنفيين السياسيين في عهد بن علي، وسوف أكون أول منفي سياسي بعد
الثورة.
هل أفهم من ردّك أنك تتبّنى تحليل المفكر المصري طارق رمضان (هو الآخر
كان بيننا بعد مواطنه وجدي غنيم) الذي يعتبر ما حدث انتفاضة لا ثورة؟
ـ الصواب أن طارق رمضان هو الذي يتبنى تحليلي فكتابي «الوجه الخفي للثورة
التونسية» صدر في تونس في سبتمبر 2011 شهرا قبل انتخابات 23 أكتوبر. أما
كتاب السيد رمضان فلم ير النور سوى في شهر ديسمبر.
ومن باب الأمانة وحتى أكون دقيقا فإن أول من تناول «الربيع العربي» بقراءة
مغايرة للسائد هو الفيزيائي الكندي- الجزائري أحمد بن سعدة في كتابه
«Arabesques américaines» الصادر بمونريال في ماي 2011 وفيه تحدث عن تكوين
ناشطين افتراضيين على الشبكات الاجتماعية ومدوّنين من طرف أحزاب أمريكية
ومنظمات غير حكومية أمريكية ذات صلة بوكالة الاستخبارات الأمريكية.
كيف ترى تونس بعد عام من الثورة على المستويين السياسي والاقتصادي؟
ـ بعد مرور عام على انقلاب 14 جانفي، أصبحت الحالة في تونس مأساوية بشكل
واضح وفي غضون أشهر من الطفولة الثورية المفتقرة لكل أشكال الحرفية
السياسية والروح الوطنية، فقدت تونس بالفعل مكاسب نصف قرن من الاستقلال
والنضال الشاق ضد الجهل والتخلف. قبل الانقلاب، كنا نعتبر في صفوف الدول
النامية وقد أصبحنا اليوم بلدا باقتصاد مدمّر تماما... سياسة مرتجلة،
دبلوماسية تابعة، مجتمع منقسم ومحبط، ثقافة مهمّشة... ارتدت تونس ارتدادا
فظيعا وصارت مسخا لا يمكن التعرف عليه مطلقا.
ولكن الإسلاميين منتخبون ديمقراطيا من قبل الشعب التونسي في 23 أكتوبر
الفارط ولا أحد يحق له التشكيك في شرعية الانتخابات؟
ـ نحن لا ننازع شرعيتها لأننا جبناء، أو لأننا انتهازيون. ليس الشعب
التونسي هو الذي صوت لصالح الإسلامويين، لقد جرت الانتخابات دون أدنى
احترام لقانون تمويل الأحزاب، مما أقصى على الفور العديد من الأحزاب
الأخرى، سواء كانت كبيرة أو صغيرة. هذه الانتخابات غير شرعية لأن التونسيين
لم ينتخبوا حكومة لتحكمهم بل انتخبوا ممثلي مجلس تأسيسي لصياغة دستور جديد
لا فائدة منه.
بعد الانقلاب الأول في 14جانفي 2011، حدث إذن انقلاب ثان في 23 أكتوبر
2011. الحكومة الحالية فاقدة لكل شرعية ديمقراطية. الأطراف «المنتخبة» كان
عليها أن تهتم فقط وبشكل خاص بصياغة دستور جديد وليس بالاستيلاء على القصبة
أو قصر قرطاج.
في حوار سابق معك عبّرت عن بعض الحذر من حكم «النهضة» لتونس .هل مازلت
على ذات الموقف؟
ـ سواء كان ذلك في المقابلة التي أجريتها معك أو في مقابلات أخرى مع
الصحافة الفرنسية أو الجزائرية، وحتى في كتابي الأخير «الوجه الخفي للثورة
التونسية»، لم أتردد عن تحذير الرأي العام التونسي من خطر الإسلامويين.
فأنا كفيلسوف ومسلم، أعتبر دائما الأصولية انحرافا عن الإسلام كعقيدة
ويمكن أن تسيء للإسلام كدين، إنها إيديولوجية مدمرة للدين الإسلامي الحنيف.
وكتونسي ووطني، أعتبر دائما الأصولية سرطانا ينخر كيان الدولة المدنية،
واليوم وفي أكثر من أي وقت مضى ما زلت أؤمن بنفس المواقف.
ألا تعتقد إذن في صلاحية التيار الإسلامي المعتدل وفي النموذج التركي
الذي تدعو له «النهضة»؟
ـ القول بأن «النهضة» تستوحي النموذج التركي خرافة خادعة. لم يسبق لي أن
صدقت ذلك البتة. إن المواقف السياسية تتغير باستمرار وحسب الظروف، أما
المواقف الفلسفية فتبقى ثابتة حتى وإن خالفت رأي الأغلبية. إن تسمية التيار
الإسلاموي بالمعتدل يعتبر تناقضا اصطلاحيا. فالأصولية ثيوقراطية كليانية أو
لا تكون. منذ ولادتها في مصر في عام 1928 مرورا بـ«طالبان» ووصولا
لأردوغان كانت ولازالت مبادئ العقيدة الأصولية ثابتة لم تتغير أسسها:
الإسلام دين ودولة، تلك عقيدة تأسيس الإيديولوجية الأصولية. وهكذا وبحكم
التعريف، فإن الأصولية تيوقراطية في الأساس وكليانية في المقاصد.
جسدت حركة «طالبان» هذا الفكر الرجعي بحظر مدارس البنات، وإغلاق دور
السينما، وتدمير «بوذا» الذي ينتمي إلى التراث العالمي الإنساني وبتطبيق
الشريعة الإسلامية بطريقة قروسطية ظلامية. أما حزب العدالة والتنمية التركي
فقد طبق هذه العقيدة تدريجيا، حيث غيّب معالم الجمهورية العلمانية وأعاد
أسلمة المجتمع بتغييب عقل المجتمع. وأصبح أوردغان الجندي المطيع لمنظمة
حلف شمال الأطلسي. الفرق كبير بين أصولية بن لادن الملتحي وأصولية أردوغان
المتلحف بربطة عنق، فالأول بعد الطاعة تمرد على التسلطية الأنغلو أمريكية
والثاني بعد الدمغجة أصبح خادمها المطيع تماما كالإسلام الوهابي. يبشرون
بالديمقراطية، والذين يأملون خيرا من ذلك مثلهم كمثل أمل إبليس في الجنة.
أثارت زيارة وجدي غنيم جدلا بلغ حد الانقسام بين التونسيين بين مناصر
له باعتباره داعية يحدّث الناس في شؤون دينهم ورافض لقدومه باعتباره
باثا للفتنة، ما موقفك من ذلك؟
ـ أشعر بالعار وكأن وطني انتزع مني . لكن منذ 14 جانفي 2011، أي منذ
«ثورة الياسمين» الشهيرة، ومسلسل طمس الشخصية التونسية يتكرر. فأين اليوم
كرامة الذين قاموا بالثورة من اجل كرامتهم؟ المنظمات غير الحكومية الأجنبية
تتصرف في البلد كأنه محتل. وأمير قطر يصرح علنا أنه يريد تعليم الرئيس
التونسي كيف يقف وكيف يصافح ملاقيه. يا للعار والخزي. فبعد مجد الشعب
التونسي بقيادة الزعيم الحبيب بورقيبة وبعد إشعاع تونس صرنا شعبا يتعلم من
قطر وينطبق علينا ما قاله المعري:
خسست يا أمنا الدنيا، فأف لنا *** بنو الخسيسة أوباش أخساء
هذا المختل المصري ليس أول من لوّث الأرض التونسية المقدسة بشكل عام
والمهدية وجامع الزيتونة بشكل خاص. في ديسمبر الماضي ولمدة ثلاثة أيام،،
عقدت في قمرت ندوة بعنوان «حملة الدفاع عن الإسلام» وكان ضمن الضيوف
العديد من الوجوه المتطرفة من الأصولية الإسلاموية، بما في ذلك الكويتي عبد
الله النفيسي. منذ عامين وفي نفس الفندق بتونس، نظم أستاذ التاريخ
والحضارات الدكتور محمد حسين فنطر ندوة حول «الإيمان والعقل في خدمة
الإنسانية والحوار بين الأديان». منذ عامين فقط، كنا نناضل في تونس من أجل
المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وها نحن اليوم، ننادي بالخلافة،
نشرع زواج المتعة، ونناقش ختان البنات ونفرض النقاب!!!
يرى البعض أنه من الطبيعي أن يأتي العلماء المسلمون إلى تونس لمناقشة
مستقبل الإسلام بعد الربيع العربي؟
ـ هذا السؤال خدعة لإلقاء اللوم وتضخيم الشعور بالذنب لدى الشعوب
والمسلمين وإقناعهم بأنهم خرجوا من الإسلام في ظل الأنظمة السابقة ويجب
تجديد إسلامهم. موقفي هو موقف الفيلسوف والمسلم الذي يعتبر أفكاره
استمرارية لفكر الكندي وابن الرواندي وأبى حيان التوحيدي وإ بن مسكويه
وابن عربي وإبن المقفع وأبي العلاء المعري وابن رشد وهذا هو موقف المثقف
التونسي المتجذر في فكر ابن خلدون، وابن رشيق والجنرال خير الدين وسالم
بوحاجب والشيخ النخلي والطاهر الحداد، ... مقارنة بالإسلام الوهابي وإسلام
الإخوان، يعتبر الإسلام التونسي هو الحق. وأود أن أذكر أن تونس لفظت
الإسلام المغالي ورفضت الوهابية منذ زمن بعيد ورفضت الإسلام المشط لأحمد بن
حنبل، وابن تيمية وابن عبد الوهاب الذي ليس من الإسلام في شيء كما أكده
حمودة باشا في 13 جوان عام 1814 ردا على خطاب وقح ومهدد ورد إليه من قبل بن
محمد عبد الوهاب في ذلك العصر، حيث طلب الباي الألمعي والمتنور من وجهاء
شيوخ الزيتونة الرد على هذا «الطائفي والظلامي»، وكان إسماعيل التميمي
وخاصة أبا حفص عمر بن أبي الفضل القاسم المحجوب من الذين لقنوا مؤسس
الوهابية درسا مهينا. وهذا يعني أنه في ظل البايات وتحت بورقيبة أو في حكم
زين العابدين بن علي كان التونسيون مسلمين وفخورين بذلك، وكانوا حاملين
لإسلام مسالم، إنساني، منفتح على العالم ومتصالح مع الديانات الكبرى
الأخرى، واليوم أصبح الإسلام في تونس بوقا للأصولية والتطرف والتكفير
ومعاداة السامية.
في شهر نوفمبر الماضي، نشرت صحيفة إلكترونية صورا لك مع عدد من المعارضين
السابقين- الحاكمين الحاليين في تونس وقد طلب منك أن تعلق على هذه الصور،
لنبدأ براشد الغنوشي، قلت عنه بأنه كان صادقا أخويا مخلصا، ولكنك مع ذلك
ابتعدت عن الإسلاميين لعدة أسباب من بينها «النفاق وعدم الاعتراف بالجميل».
هل مازال هذا التقسيم صالحا حتى اليوم؟ زعيم صالح وبطانة فيها الصالح والطالح؟
ـ أبديت حكما أخلاقيا على رجل عرفته في أوائل التسعينات. أما الآن، وبعد
انكشاف نصرة الإسلام بقيادة ماك كين وهيلاري كلينتون وبرنار هنري ليفي أصبح
راشد الغنوشي يتصرف مثل المرشد الأعلى.
هل هنأت الغنوشي بعد نجاح «النهضة» في الانتخابات التي أجريت في 23 أكتوبر؟
ـ سؤالك سريالي. لم أهنئ أحدا بنتائج هذه الانتخابات التي كان كل شيء فيها
مبرمجا حتى نتائجها كانت مقررة سلفا.
علقت أيضا على صورتك مع منصف المرزوقي الذي كان أحد أقرب أصدقائك وذكرت
بأنك تعرضت لـ«خيانته» فقد وعدك بأن تمثل المجلس الوطني للحريات(ترأسه
حاليا سهام بن سدرين) في فرنسا عند تأسيسه ولكنه أسند الخطة لكمال
الجندوبي. هل عرفت لماذا غيّر المرزوقي رأيه؟
ـ المجلس الوطني للحريات هو من بنات أفكار المرزوقي. وقد تم الاتفاق على
أن أكون ممثل المجلس في فرنسا عند تأسيسه في عام 1998، ولكن كمال
الجندوبي اختير عوضا عني، هذه الخيانة هي السبب في انفصالي عن المعارضة
وقراري كسر المنفى الذي كنت فيه و ذلك في أفريل 2000. يجب أن أذكر أن
التعيين وقع ولم يمض على انضمام كمال الجندوبي إلى المعارضة سوى ثلاث
سنوات، حيث انه كان حتى سنة 1995، ضمن المدافعين والعاملين مع نظام بن
علي، كما كان أساتذته خميس الشماري، وسارج عدة، ومحمد الشرفي، وسهير
بلحسن والعديد من الآخرين في خدمة النظام في أسوأ أيام الانتهاكات الجسيمة
لحقوق الإنسان وملاحقة الاسلامويين. كنت أعارض بن علي منذ عام 1988،
وكنت أناضل ضد الحصار الذي كان مفروضا على العراق الشقيق والذي كان يتسبب
في 1000 حالة وفاة في الشهر. لقد كنت عضوا دائما في اللجنة من أجل رفع
الحصار التي يرأسها طارق عزيز. لكن تجار حقوق الإنسان فضلوا كمال الجندوبي
علي، كان يجب وضع «ديموقراطي حقيقي»، ومفكر بارز يحظى بتقدير كبير من قبل
بعض أعضاء اللوبي في فرنسا!
هل نجح المرزوقي في ارتداء عباءة الرئيس والتخلص من كسوة الحقوقي؟
ـ بالنسبة إلى جبّة حقوق الإنسان، فقد ألقى بها المرزوقي منذ فترة طويلة
وتحديدا عندما أسس حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» الذي يعتبر فرعا من فروع
الشركة الأمّ أي حركة «النهضة» وأصبح بعد ذلك الواجهة العلمانية للإسلام
الاخواني ولقد سبق أن كشفت هذه الحقائق في كتابي الأول «لن تهدم قرطاج».
فحقوق الإنسان بالنسبة للمرزوقي هي الإسلام بالنسبة لراشد الغنوشي:
وسيلة لتحقيق غايات، وسفسطائية من أجل الطموح والمصلحة الذاتية.
ما تعليقك على ما قاله المرزوقي بخصوص بيان قائد السبسي «سكت دهرا
ونطق كفرا»؟
ـ حتى لو أصبح يتكلم مثل الغنوشي أو الصادق شورو، فإنه نطق صدقا هذه المرة
في نقده اللاذع للسبسي. حيث كان على الباجي أن يتقاعد ويتفرغ لكتابة المجلد
الثاني من مذكراته لإنهاء مسيرته السياسية برتبة رئيس.
«الباجي» وافق على كل التنازلات ومهّد الطريق لـ«النهضة» التي أغرته بمفاتيح
قرطاج في عملية مساومة وتبادل سياسي. لقد تجاهل الباجي قضايا تمويل
الأحزاب، وأغرق في تشويه صورة النظام القديم، ثم أحاط نفسه بمستشاري الظل
والماسونيين ورجال الأعمال من الذين شاركوا في عمليات سلب البلاد ونهبها
وانتهى بتشكيل حكومة موازية مقرها مطعم «الفوكاتس» البذخ في باريس. أراد
الباجي أن يقلد بورقيبة ولكن الأسوأ من ذلك كله، أنه لعب دورا نشيطا في غزو
ليبيا وتدميرها مطيعا لأوامر قطر وفرنسا، حيث حول الجنوب التونسي إلى قاعدة
خلفية لقوات حلف شمال الأطلسي الغازية والصليبية التي تم من خلالها تمرير
أغلب الأسلحة التي دمرت ليبيا وقتلت مائة وخمسين ألف مدني ليبي شقيق. إن
الدور الذي لعبه الحاكمون في تونس في تدمير ليبيا هو نفس الدور الذي قامت
به قطر في تدمير العراق من خلال قواعدها الأمريكية في الدوحة. بعد غسل
الدماغ الإعلامي وسموم الجزيرة، استفاق الشعب التونسي فبدأ التونسيون
يكتشفون الحقائق الآن.
لقد استخدم الإسلاميون الباجي وألقوا به مفضلين عليه عضوا سريا من طائفتهم.
في الأخير أنصح الباجي قائد السبسي باستئناف حياته ككل «تونيزوا»، بلدي في
أمن وأمان كما كان ذلك طيلة حكم بن علي وليترك للوطنيين الصادقين
وللديمقراطيين الحقيقيين مواصلة المعركة الحاسمة في استعادة كرامة تونس
وسيادتها.
وصفت مصطفى بن جعفر بأنه إنسان رقيق معتدل و«حقّاني» ومخلص في صداقته.
فهل مازالت صداقتكما متواصلة بعد ترؤسه المجلس الوطني التأسيسي؟
ـ أواصل الاعتقاد في ذلك، رغم أنني اعتبر تحالفه مع الإسلامويين خطأ
معنويا وسياسيا جسيما. حيث كان حاسما في زعزعة موازين القوى. لقد كان من
الممكن أن يقوم بخيار تاريخي للدخول في شراكة مع «الحزب الديمقراطي
التقدمي» لأحمد نجيب الشابي رفيق دربه في الكفاح والنضال. لكن إغراء
السلطة كان أكبر من الإخلاص للمبدأ.
والآن كيف ترى دور بن جعفر في صياغة الدستور؟ هل تراه قادرا على
حماية مدنية الدولة بصفته المقرر العام ؟
ـ لا أعتقد أنه سوف يقوم بدوره على أكمل الوجوه إلى نهاية مهمته. أمهله
أسابيع قليلة، وربما أشهرا قبل حصول الانشقاق والاستقالة من منصبه الفخري
والشرفي. في جميع الحالات، لا مناص له من أحد خيارين: إما الاستمرار في
دعمه لسلطة الادلجة الدينية ولسلفية الجمهورية، أو التخلي عن تحالفه مع
الأصولية، والعودة إلى القوى التقدمية. وبدلا من استهدافه للمناضل خميس
قسيلة، كان يجب عليه الاستماع إليه وقد أثبت قسيلة شجاعة سياسية بمغادرته
وأتباعه «التكتل».
وكيف تنظرون إلى دور معارضة «الصفر فاصل» بعبارة خصومهم ؟
أود أن أشير أولا إلى أن قطع رأس حزب التجمع الدستوري الديمقراطي كان
جريمة، والاعتراف بأكثر من مائة حزب هو الخطأ الاستراتيجي الذي استفاد منه
الإسلامويون فقط. من بين أولئك الذين تحصلوا على «صفر فاصل» صوت أحترم
الكثيرين. أعتز بوطنيتهم وأقدر نضالهم وماضيهم السياسي. كانوا سيحققون
أكبر النتائج لو نزلت عليهم ملايين الدولارات من السماء ولو بثت خطبهم كل
دقيقة على قناة «الجزيرة» أو لو وزعت عليهم الجمعيات الأمريكية غير
الحكومية صدقاتها المسمومة. دعني أقول لك إن نتيجتهم تعكس شرفهم ووطنيتهم
ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعكس وزنهم السياسي.
أخيرا، هل ندمت بعد أن كنت في خدمة النظام القديم؟
ـ لا على الإطلاق. لست نادما بل فخور بأن خدمت الدولة والبلاد وليس نظاما
كما تقول. عملت في آخر دولة وطنية. كان رئيسي زين العابدين بن علي ووزير
خارجية بلادي كمال مرجان. الرئيس المؤقت الحالي هو المرزوقي، ووزير
الخارجية التونسي صهر المرشد الأعلى للجمهورية وإطار سابق بقناة
«الجزيرة». ما يؤسفني في الحقيقة أمران فقط: الأول إني لم أتمكن من إقناع
بن علي ابتداء من سنة 2001 بالقيام بإصلاحات ديمقراطية عميقة في تونس
والثاني لم أتمكن من إحباط مؤامرة أمريكية قطرية ضد تونس وضد العالم
العربي الإسلامي بشكل عام.
ماذا بعد كـتابكم «الوجه الخفي للثورة التونسية»؟
ـ أنا حاليا بصدد كتابة كتابي الثالث «أيها التونسيون، ماذا فعلتم ببلدكم؟»
أكشف فيه العديد من الحقائق والأسرار خاصة كل ما لم أنشره ولم أقله في
كتابي الثاني حيث لم أسرد الحقائق في كل تفاصيلها وتجنبت ذكر العديد من
الشخصيات السياسية. التونسيون لديهم الحق في معرفة الحقيقة كاملة عن الجميع
من الفايسبوكيين المتعاونين إلى الإمام الأكبر راشد الغنوشي وبارون حقوق
الإنسان المنصف المرزوقي وأخيرا المهندس المعماري الكبير للانتخابات
التونسية كمال الجندوبي... أنا لم أرفع راية الاستسلام. سأواصل نضال
التنوير ضد الظلامية، نضال الديمقراطية ضد الثيوقراطية، نضال الوطنية ضد
العمالة. سأناضل بإيماني بالله وبقلمي وبولائي للوطن.
attounissia 01/04/2012